18 September 2025

كلمة الدكتور طربيه في مؤتمر بيروت ايلول 2025

كلمة الدكتور طربيه في مؤتمر بيروت ايلول 2025

كلمــــة

الدكتور جوزيف طربيه

رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب

ورئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية

 

 

فــــي

برامج مساعدة القطاعات الاقتصادية والمصرفية في الدول التي تشهد أزمات –

تجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة

 

18-19 سبتمبر 2025

بيروت – لبنان

 

 

معالي الاستاذ ياسين جابر، وزير المالية، لبنان

سعادة الاستاذ شارل عربيد، رئيس المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي، لبنان

الحضور الكريم

سعادة الدكتور نيرانجان سارانجي Niranjan Sarangi، ممثلاً معالي الدكتورة رولا دشتي، وكيل الأمين العام للامم المتحدة، والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا ( UN-ESCWA)


 

 

 يسعدني أن أرحّب بكم جميعاً في بيروت، عاصمة الفكر والحوار والانفتاح، ومقر اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، حيث نلتقي اليوم في هذا المؤتمر الهام الذي ينظّمه الاتحادان بعنوان "برامج مساعدة القطاعات الاقتصادية والمصرفية في الدول التي تشهد أزمات – تجارب الدول العربية وخبرات القطاعات المصرفية المتقدمة".

 

وإنه لمن دواعي اعتزازنا أن يجتمع على هذه المنصة كوكبة من القيادات المصرفية والاقتصادية والخبراء من دولنا العربية ومن العالم، للتباحث في قضية دقيقة تمس صميم الاستقرار المالي والمصرفي والاقتصادي في منطقتنا.

 

السيدات والسادة،

تمر منطقتنا العربية بمرحلة غير مسبوقة من الأزمات والتحديات المتداخلة. فقد واجهت بعض دولنا أزمات نقدية ومصرفية عميقة أدت إلى تراجع الثقة بالقطاع المصرفي وتآكل رأس المال، كما حصل في بعض التجارب التي ما زالت ماثلة أمامنا. فيما عانت دول أخرى من ضغوط مالية هائلة نتيجة العجز المالي والدين العام، انعكست مباشرة على المصارف عبر ارتفاع المخاطر الائتمانية وتزايد الديون المتعثّرة.

 

ولا تقتصر الصورة على الداخل فقط، إذ جاءت التداعيات الإقليمية والدولية لتزيد المشهد تعقيداً:

·         فمن الحروب والنزاعات المحلية والإقليمية التي دمّرت البنية التحتية وشتّتت الاستثمارات،

·         إلى الأزمات الاقتصادية العالمية وما نتج عنها من تضخم جامح، وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ في النمو،

·         وصولاً إلى التوترات الجيوسياسية الدولية التي انعكست على أسعار الطاقة والغذاء، وزادت من أعباء الاقتصادات الهشّة.

 

السيدات والسادة،

عند النظر إلى تجارب الدول العربية في مواجهة الأزمات المصرفية والاقتصادية، نجد نماذج متباينة لكنها مليئة بالدروس المستفادة. فالدول مثل مصر، والأردن، والمغرب، ودول الخليج، تمكنت من تعزيز استقرار قطاعاتها المصرفية من خلال إصلاحات هيكلية شاملة، شملت رسملة المصارف، تطوير آليات الرقابة والإشراف، وإعادة هيكلة الديون، إضافة إلى تعزيز الشمول المالي ودعم الابتكار المصرفي. هذه التجارب أثبتت أن التخطيط الاستراتيجي، والشفافية، والحوكمة الرشيدة، يمكن أن تحوّل الأزمات إلى فرص لتعزيز متانة النظام المالي.

 

ومع ذلك، تبقى التحديات التي تواجه الدول العربية كبيرة ومتنوعة، إذ أن الأزمة في دولة واحدة قد يكون لها تداعيات مباشرة أو غير مباشرة على دول الجوار، في ظل العولمة الاقتصادية والترابط المصرفي الإقليمي. لذلك، أصبح التكامل والتنسيق العربي ضرورة استراتيجية، يشمل تبادل الخبرات، ووضع آليات مشتركة للتدخل عند الأزمات، وتطوير أدوات عربية لدعم الاستقرار المالي، مثل صناديق طوارئ إقليمية أو برامج تعاون مصرفي عربي. إن هذه المنظومة التعاونية لا تساعد فقط على مواجهة الصدمات بشكل أسرع وأكثر فاعلية، بل تعزز أيضاً قدرة المصارف العربية على لعب دور محوري في دعم التنمية المستدامة، وتحويل القطاع المصرفي إلى شبكة أمان اقتصادية إقليمية قادرة على حماية الدول والمجتمعات العربية.

 

السيدات والسادة،

ونحن نجتمع اليوم في بيروت، لا يمكننا أن نغفل التجربة اللبنانية، التي شكّلت نموذجاً صارخاً للأزمات المركّبة التي قد تواجه القطاعات المصرفية. فقد تعرّض لبنان خلال السنوات الأخيرة لانكماش اقتصادي عميق، وتدهور نقدي، وأزمة مصرفية أثّرت على المودعين والمصارف والاقتصاد على حد سواء. إلا أن هذه التجربة، على قساوتها، تحمل دروساً بالغة الأهمية: فهي تذكّرنا بضرورة التحوّط المسبق، وتؤكد أن غياب السياسات الاقتصادية السليمة والحوكمة الرشيدة يضاعف من حدة الأزمات. كما تبرز الحاجة إلى بناء شبكات أمان مالية ومصرفية عربية مشتركة، قادرة على التدخل عند الأزمات.

 

إن التجربة اللبنانية، ومعها تجارب عربية أخرى، يجب أن تكون حافزاً لنا جميعاً لتسريع الإصلاحات، وللاستفادة من خبرات الدول المتقدمة التي نجحت في احتواء أزماتها المصرفية وإعادة هيكلة أنظمتها المالية.

 

السيدات والسادة،

وعند الحديث عن التجربة اللبنانية، لا بد من التوقف عند ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، حيث يرتكز الاهتمام الآن على إصدار قانون يتناول معالجة "الفجوة المالية" وهي تتمثل في الفرق بين مجموع ودائع القطاع المالي المدرجة في ميزانية البنك المركزي والتي تبلغ ما يتجاوز 82 مليار دولار من الالتزامات تجاه المصارف والمودعين، يقابلها موجودات لدى المصرف المركزي تقارب قيمتها 50 مليار دولار تتمثل بالاحتياطات النقدية والذهب والموجودات العقارية واسهم الشركات.

ومقابل هذه الفجوة بين الموجودات والمطلوبات، يطرح موضوع تسديد الودائع، وهي مشكلة دقيقة يختلط فيها الموضوع التقني والقانوني والانساني والاقتصادي وكذلك السياسي.  كما تعتبر قضية توزيع الاعباء المالية الناتجة عن الازمة بين الدولة، والمصرف المركزي والمصارف، الاحجية الرئيسية التي تؤخر انجاز قانون الفجوة المالية، وسيكون هذا الموضوع بنداً رئيسياً يتناوله هذا الملتقى.

 

في الواقع، إن حل مشكلة الودائع ونجاح اعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني يعتبر المدخل الرئيسي لأية خطة تعافي اقتصادي ومالي.  وهو يتطلب تعاوناً وثيقاً بين السلطات النقدية والمالية، لإرساء نموذج إصلاحي يعيد الثقة بالقطاع المالي اللبناني، ويشكّل مرجعاً لباقي الدول العربية التي قد تواجه ظروفاً مشابهة.

 

ولا يخفى على أحد أن الإصلاح المصرفي والنقدي يشكّل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية. فالقطاع المصرفي هو القناة الرئيسية لتعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار المنتج، بينما السياسة النقدية الرشيدة هي الضامن لاستقرار الأسعار وتعزيز الثقة بالاقتصاد.

 

إن الإصلاح المصرفي، من خلال تعزيز متانة القاعدة الرأسمالية، وتحسين إدارة المخاطر، وتعزيز الشمول المالي، واعتماد الرقمنة، يسهم في تمكين المصارف من لعب دورها كـممّول للتنمية، لا مجرد وسيط مالي. أما الإصلاح النقدي، القائم على استقلالية البنوك المركزية، واعتماد أدوات فعّالة للسيطرة على التضخم وتقلبات أسعار الصرف، فيُعد شرطاً أساسياً لتهيئة بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار.

 

ومن هنا، فإن ربط الإصلاحين المصرفي والنقدي بأهداف التنمية المستدامة، يعني توجيه الموارد نحو قطاعات حيوية كالتعليم، الصحة، الاقتصاد الأخضر، والبنية التحتية، مع تعزيز الشفافية والحوكمة. هذه المقاربة المتكاملة تجعل من النظامين المصرفي والنقدي أداة فاعلة لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، وتنمية شاملة تلبي تطلعات الأجيال القادمة.

 

السيدات والسادة،

إن اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، إذ يسلّطان الضوء على هذه القضايا في مؤتمرهما اليوم، يؤكدان التزامها بأن يكونا شريكان أساسيان في صياغة الحلول، عبر جمع الخبرات، وتوفير منصات للحوار، ونقل التجارب الناجحة من الدول العربية والدول المتقدمة على حد سواء.

 

ختاماً، لا شك أن الطريق أمامنا مليء بالتحديات، لكنه أيضاً مليء بالفرص. وإذا ما أحسنّا استثمار هذه الأزمات كحافز للإصلاح والتحديث، فإن قطاعنا المصرفي سيكون أكثر صلابة، وأكثر قدرة على قيادة مسار التنمية في دولنا العربية.

      

وشكراً على حسن استماعكم.

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close