Source: Union of Arab Banks | 27 November 2025 | Country: بيروت – فندق فينيسيا انتركونتيننتال

كلمــــة الدكتور جوزف طربيه فــــي حفل إفتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2025

 كلمــــة الدكتور جوزف طربيه فــــي حفل إفتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2025

 

كلمــــة

الدكتور جوزف طربيه

رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب

رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية

 

 

فــــي

حفل إفتتاح  المؤتمرالمصرفي العربي السنوي لعام 2025

"الإستثمار في الإعمار، ودور المصارف"

 

 

27-28 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

بيروت – فندق فينيسيا انتركونتيننتال

_______________

 

أيها الحضور الكريم،

 

يسعدني أن أرحب بكم جميعاً، وأتقدم بجزيل الشكر والتقدير الى فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على تكرمه برعاية هذا المؤتمر.

والشكر موصول أيضاً الى مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية وجمعيته العمومية الذين إختاروا ان يعقدوا اجتماعاتهم السنوية هذا العام في بيروت، بعد غياب عدة سنوات بسبب الأحداث، في لحظة سياسية واقتصادية بالغة الحساسية، مسجلين بذلك عودة الاهتمام العربي الى لبنان، والرسالة السياسية التي تحملها تلك العودة.

 

 

أيها الحضور الكريم،

 

إرتأينا أن يكون مؤتمرنا اليوم تحت عنوان "الاستثمار في الاعمار ودور المصارف" وهو موضوع الساعة في غالبية بلداننا العربية سواء كانت تعاني من اضطرابات وحروب، أم كانت بمنأى عنها، وخاصة في لبنان، حيث يندرج موضوع إعادة الإعمار، قي رأس اهتمامات السلطة اللبنانية، بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية عشرات القرى في الجنوب اللبناني، وأحياء بكاملها في مدينة بيروت نفسها. 

 

وفي الواقع إن منطقتنا تواجه بمجملها تحديات هي الأخطر منذ عقود، حروب سفكت دماء وخلقت دماراً وصراعات مسلحة، عطلت خطط التنمية وأثرت بعمق على قدرة اقتصاداتنا على النهوض ووجدت بيئة طاردة للإستثمار.  وقد واجهت بعض دولنا العربية ازمات نقدية ومصرفية أدت الى تراجع الثقة بالقطاع المصرفي وتآكل رأس المال، فيما عانت دول آخرى من ضغوط مالية نتيجة العجز المالي والدين العام، إنعكست مباشرة على المصارف عبر إرتفاع المخاطر الإئتمانية وتزايد الديون المتعثرة، مما عطل محركات التنمية الاقتصادية، في وقت شحت فيه حركة الاستثمار اقليمياً وعالمياً نتيجة الحروب العديدة التي إنفجرت في الكثير من الساحات، من الشرق الأوسط الى افريقيا وأوكرانيا ناهيك عن حرب التعريفات الجمركية التي هي في بعض جوانبها مظهر من مظاهر التوتر الجيوسياسي.

 

ومن نافل القول، أن معالجة هذه التحديات يتطلب تعاون إقليمي ودولي تحتاجه منطقتنا بإلحاح.  وهو الدافع الى عقد هذا المؤتمر اليوم، وهو يندرج ضمن سلسلة المؤتمرات التي يعقدها إتحاد المصارف العربية بغية السعي لجمع القيادات المصرفية العربية، لتفعيل دورها، ودور المصارف، كقاطرة للإستثمار والتنمية في إقتصادات المنطقة.

 

أيها الحضور الكريم،

 

بينما نجتمع هنا اليوم، أتناول بقلب مثقل، التحديات التي عانى منها لبنان خلال الست سنوات الاخيرة.  إن لبنان، البلد الذي إشتهر ذات يوم بتألقه وحيويته الإقتصادية، يمر حالياً بأوضاع دقيقة يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي، والمحلي بالإقليمي والدولي، وتتقاطع فيه مصالح دولية تظهر تردداتها في معظم الملفات الداخلية والخارجية، وحيث أضعفت الازمة بشكل كبير القطاع المصرفي، وأدت الى تراجع دور المصارف اللبنانية، بحيث إضطرت الى تقليص حجمها وإغلاق عدد كبير من فروعها، والتوقف عن الإقراض.

 

وقد ساعد في تفاقم الأزمة التعثر غير المنظم الذي أعلنته حكومة لبنان السابقة عام 2020 بالتوقف عن دفع الدين السيادي وإخراج لبنان من الاسواق المالية الدولية.  وقد رافق ذلك قرارات شعبوية، كقرار دعم بعض السلع عبر هدر سيولة مصرف لبنان، التي مصدرها الودائع.  وتقاذفت الحكومة ومصرف لبنان والمصارف مسؤولية الأزمة، بينما الواقع يشير الى أن الأزمة نظامية ليست نتيجة ظرف عابر أو مسؤولية فريق واحد، إذ أن النظام هو الذي إهتز وتهاوى نتيجة سياسات مالية متمادية مارستها السلطة السياسية من حكومة وبرلمان، يؤازرها البنك المركزي، وإنصياع القطاع المصرفي له بإعتباره السلطة الناظمة.

 

على هذا الصعيد، يواصل لبنان، مفاوضات مع صندق النقد الدولي لإعتماد إصلاحات إقتصادية والحصول على قروض ميّسرة، وتعبيد الطريق للحصول على تمويلات آخرى من جهات خارجية تربط تحركها بالحصول على ثقة الصندوق.  ويطلب الصندوق من لبنان إصلاحات مالية نفذ بعضها كتعديل قانون سرية المصارف، وإجراء مراجعات على النظام الضريبي، وإحتواء عجز المالية العامة وتصاعد الدين العام، وإعادة هيكلة المصارف، وتوحيد وتحرير سعر الصرف، ومواجهة توسع الاقتصاد النقدي.

 

لقد لبى لبنان معظم متطلبات صندوق النقد الدولي التي تتعلق بالقطاع المالي، بإستثناء شطب ودائع المودعين في المصارف وبينها ودائع مؤسسات تربوية واستشفائية وصناديق تقاعد ومؤسسات مصرفية ومالية ومستثمرين، ومودعين عرب ولبنانيين من مقيمين ومغتربين.  وإن قضية الودائع الشرعية وردها الى أصحابها، ولو بالتدرج، يعتبر المدخل المرتجى لاية خطة تعافي إقتصادي ومالي في لبنان.

 

لقد أظهر إتحاد المصارف العربية إهتماماً بارزاً في إيجاد حلول للأزمة اللبنانية منذ إندلاعها، وناقش في إجتماع بيروت للأمناء العامين لجمعيات المصارف العربية والذي شاركت فيه 14 دولة عربية، في 9 آذار من عام 2023، مختلف الآراء التي طرحها الإتحاد بالتعاون مع خبراء دوليين، والتي تمحورت حول ما يلي:

 

1 – إن الأزمة المالية اللبنانية ليس لها سوابق على الصعيد الدولي، إذ أن ما يسمى فجوة مالية هي في ميزانية البنك المركزي، وهي تمددت الى الدولة وكافة مكونات النظام المالي.

2- إن البنك المركزي اللبناني، بموجوداته من ذهب وعملات أجنبية وأصول اخرى، هو من أغنى المصارف المركزية في المنطقة العربية، وإن الأزمة اللبنانية، في المقياس العلمي، هي أزمة سيولة، وليست أزمة ملاءة.

 

أيها السيدات والسادة،

- إن لبنان حالياً يتعافى سياسياً وإقتصادياً، وإن مصارف لبنان لا تزال تتمتع بعلاقات مراسلة مميزة مع المصارف العالمية، وهي لا تزال تخدم التحويلات من والى لبنان على أفضل ما يكون، ولم تتأثر بالتصنيفات الائتمانية المتدنية والإدراج على اللوائح الرمادية للبلد.

- إن المجتمع الدولي قلق ومتخوف من توسع دائرة الإقتصاد النقدي في لبنان.  وكل الإتصالات والزيارات الدولية التي حصلت مع لبنان لم توجه أية شكوك الى القطاع المصرفي أو الى مصرف لبنان على هذا الصعيد، لا بل كان هناك إجماع على أن عمليات تبييض الأموال لا تتم من خلال القطاع المصرفي.  مما يظهر أهمية الحفاظ على المصارف لتعافي الاقتصاد اللبناني وحماية السمعة الدولية للبنان.


- من المستبعد أن يعتمد لبنان أية حلول مسمومة بإلغاء رساميل المصارف عن طريق تحميلها خسائر ناتجة عن ايداعاتها في البنك المركزي.  إن إلغاء رساميل المصارف يؤدي فوراً الى إنهاء ملاءتها وقطع العلاقات المصرفية الخارجية معها، ويرمي لبنان في عزلة مالية قاتلة.  كما يلحق خسائر فادحة بالمودعين الذين لن يحصلوا على حقوقهم إلا من خلال ضمان استمرارية القطاع المصرفي.

إن الإصلاح المصرفي، من خلال تعزيز متانة القاعدة الرأسمالية، وتحسين إدارة المخاطر، وتعزيز الشمول المالي، واعتماد الرقمنة، يسهم في تمكين المصارف من لعب دورها كـممّول للتنمية، لا مجرد وسيط مالي. أما الإصلاح النقدي، القائم على استقلالية البنوك المركزية، واعتماد أدوات فعّالة للسيطرة على التضخم وتقلبات أسعار الصرف، فيُعد شرطاً أساسياً لتهيئة بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار.

ومن هنا، فإن ربط الإصلاحين المصرفي والنقدي بأهداف التنمية المستدامة، يعني توجيه الموارد نحو قطاعات حيوية كالتعليم، الصحة، الاقتصاد الأخضر، والبنية التحتية، مع تعزيز الشفافية والحوكمة. هذه المقاربة المتكاملة تجعل من النظامين المصرفي والنقدي أداة فاعلة لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، وتنمية شاملة تلبي تطلعات الأجيال القادمة.

إننا لن ننجح بمواجهة هذه  التحديات إلا بالشراكة والتواصل والوعي الحقيقي.  إن الاقتصاد هو خط الدفاع الاول عن استقرار الشعوب، وإن الاعمار ليس مجرد عمل مادي، بل بناء ثقة وبناء مؤسسات، وبناء اقتصاد قادر على النمو لان التنمية هي أساس الاستقرار الاجتماعي والسلام في المنطقة.

 

أيها السيدات والسادة،

 

إسمحوا لي في الختام أن أعرب عن تقديري لكل من ساهم في إنعقاد هذا المؤتمر في بيروت، ولكل الجهود العربية الساعية الى دعم لبنان وإخراجه من محنته.  إننا نؤمن بأن هذا البلد، الذي طالما شكل جسراً بين الشرق والغرب، قادر على النهوض من جديد، وقادر على إستعادة دوره الريادي في القطاع المصرفي والإقتصادي إذا توافرت الإرادة الوطنية الصادقة والرؤية العربية المشتركة.  وإن المجتمع المصرفي العربي يرحب بسعي لبنان لإستعادة دوره الإقليمي والدولي عبر إنتظام العمل السياسي فيه والإقتصادي.

 

وشكراً على حسن استماعكم.

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close