Source: Association of Banks in Lebanon | 28 March 2012 | Country: Beirut, Lebanon

Speech of Dr. Joseph Torbey during the Opening Session of the Business and Financial Forum: “Restore the Economic Confidence and Attract New Investments” organized by Confex International


كلمة
الدكتور جوزف طربيه

في  إفتتاح

منتدى المال والأعمال


إستعادة الثقة بالإقتصاد وإستقطاب الإستثمارات


بيروت -  فندق ومنتجع الموفنبيك
28 آذار 2012
 
أيها السيدات والسادة،
ايها الحضور الكرام،

يسرني أن اشارك في إفتتاح أعمال هذا المنتدى الذي دعت اليه كونفكس، وكان من دواعي سروري إختيار "عودة الثقة" عنواناً له . فهذا بالفعل مكمن الداء وسر الدواء، وهو التحدي العريض الحيوي الذي نتلمس الحاجة الفعلية والماسة اليه، ليس في الجانب الاقتصادي والاستثماري فحسب، بل أصلا في الاوضاع العامة بمجملها وطنية وسياسية وأمنية واجتماعية وأمن غذائي وآمان معيشي .

أيها السيدات والسادة،

ينعقد هذا المنتدى في وقت تمر فيه منطقتنا في حالة تغيير جوهرية تتناول مختلف نواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وبينما يجتاز لبنان يومياً بنجاح مقبول إمتحان الإستقرار وإستمرار السلم الأهلي الذي يُخشى عليه من عدوى الإضطرابات الحاصلة في الجوار القريب والبعيد.  يطرح بإلحاح الهم الإقتصادي والإجتماعي أذ لا يمكن لأي مسؤول أن يتجاهل الإستحقاقات المتراكمة التي يواجهها لبنان على صعيد العجز المتواصل في المالية العامة وإستمرار تصاعد مديونيته والتأخير في تطوير بنيته التحتية من طرقات وماء وكهرباء وغيرها بحيث يطرح السؤال، أو كان يجب أن يطرح منذ زمن، عن ماهية النموذج الإقتصادي المرتجى للبنان وأي إجراءات يجب إتخاذها لإستعادة الثقة وجذب الإستثمارات، وأي إقتصاد يجب تطويره ومن أين نبدأ، وأي إنماء إجتماعي يجب متابعته.

بالطبع لا يمكن أن نمر مرور الكرام على الإداء الحكومي الغارق في الخلافات، وتأثيرات ذلك على مخزون الثقة في لبنان، ولكن ما يحصل في محيطنا العربي، في الوقت الحالي يجعل من الديمقراطية المنفلتة في لبنان نعمةً، مقارنة بما يجره حسم الخلافات السياسية عن طريق الصراع المسلح لدى جيراننا من كوارث إنسانية وأضرار إقتصادية.  ولكن لا يمكننا التقليل من أثار الإنقسام الداخلي في لبنان على مختلف أوجه الحياة الإقتصادية، فنحن أمام عجز متواصل في إقرار موازنة عامة للدولة منذ العام 2006، وكذلك الأمر بالنسبة لإملاء الشواغر في الوظائف العامة للدولة.  كما أن مشاريع البنية التحتية الاساسية شبه متوقفة، والتأخير متماد في إجراء الإصلاحات الإقتصادية الذي التزم بها لبنان منذ مؤتمرات باريس والبروتوكولات التي وقعت على أساسها.  ونكاد نفقد ثروتنا النفطية المرتقبة نتيجة التأخير في وضع الإجراءات القانونية والعملانية والدبلوماسية المطلوبة.

مع ذلك حقق لبنان في السنوات الأربع ما قبل الأخيرة معدلات نمو قوية تجاوز متوسطها 8 في المئة ليصل حجم الناتج المحلي الى نحو 40 مليار دولار، قبل أن ينحدر معدل النمو في العام الماضي الى نحو 3 في المئة، مدفوعاً ومتأثراً بإضطرابات عاتية وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، من حيث شموليتها ونتائجها التغييرية، في دول عربية بعضها محوري ومؤثر في الاوضاع المحلية، وبعوامل إرباك داخلية وضغوط متنوعة عززت التأثيرات السلبية وحجبت قدرات الاستقطاب والمرونة العالية التي تتمتع بها المؤسسات اللبنانية في التعامل مع أحداث طارئة .

أيها السيدات والسادة،

لكن ما هو سر هذه المعادلة المتعاكسة بين أوضاعٍ غير مؤاتية داخلية وخارجية، ونمو إقتصادي مقبول في لبنان ؟
إنها قوة المبادرة التي يختزنها القطاع الخاص، قدرات وخبرات ومرونة فائقة في التأقلم مع المتغيرات.  وإني أتوقف بصورة خاصة أمام إداء القطاع المصرفي الذي يشرفني تمثيله، وهو ليس رافعة الاقتصاد الوطني فحسب، بل هو قاعدته الصلبة التي تستقطب المدخرات الوطنية والمهاجرة والاستثمارات، وتعيد ضخها في شرايين الاقتصاد تمويلاً وتسليفاً للقطاعين العام والخاص.

فالقطاع المصرفي صاحب التأثير الإيجابي الأبرز في تحقيق معدلات النمو المسجّلة طوال السنوات الأخيرة، من خلال زيادة التسليفات والقروض لمختلف فعاليّات وأنشطة الاقتصاد اللبناني، فيما كان الائتمان في معظم بلدان العالم في حالة ضمور أو تراجع.  فالى جانب التزامنا بتأمين الحاجات المالية للقطاع العام ضمن السقوف المقبولة، لم نتردد يوماً في توفير كامل الاحتياجات التمويلية للقطاع الخاص اللبنانـي.  وقد تعدّت تسليفاتنا الإجمالية للقطـاع الخاص المقيم وغير المقيم صافيةً من الديون المتعثرة 41 مليار دولارتمثل نحو 34 في المئة من اجمالي ودائع القطاع، وتوازي 100% من الناتج المحلـي الإجمالي.  كما نؤمن للقطاع الخـاص مدفوعاته الداخليـة والخارجيـة بكفاءَة عالية وكلفة متدنية.

ولا نغفل في السياق ذاته، أن المصارف وفرت للدولة منذ مطلع التسعينات وحتى الآن، وفي ظل تعاقب الحكومات، معظم إحتياجاتها التمويلية، وقد تخطت 30مليار دولار أي ما نسبته 77% من الناتج المحلي الإجمالي . فساهمنا بذلك في إستقلالية القرار السياسي بمنأى عند تدخل المؤسسات المالية الدولية أو المصارف العالمية يوم كان تدخلها وتقييد القرار السيادي للدول (كتركيا وباكستان والبرازيل والمكسيك) هو السمة البارزة لديها.
 
يعزز هذا الواقع حجم القطاع المصرفي وإنتشاره.  فالقطاع يدير موجودات إجمالية تفوق قيمتها 167 مليار دولار أميركي، منها أكثر من 143 مليار دولار في السوق المحلية، وهذا الحجم يساوي حسابياً 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي  للبلاد، والمؤسسات المصرفية اللبنانية تنتشر حالياً في أكثر من 32 بلداً و95 مدينة في العالم، وتؤمّن خدمات شاملة ومتنوعة لشريحة واسعة من العملاء بمن فيهم اللبنانيين في الاسواق العربية، والعرب في الاسواق الدولية .

نعود الى موضوع الثقة، فإن سقف مطالبنا يتوقف عند حفظ الاستقرار للعباد والبلاد. أما في البعد المالي والاقتصادي، فنتطلع الى أن تسرع الحكومة، وبعدها المجلس النيابي في معالجة مشكلة تأخير إقرار الموازنة العامة دستورياً عوضاً عن قواعد الصرف الحالية القائمة منذ العام 2006 على تخطي القاعدة الاثني عشرية، وهي التي أنتجت مشاكل إضافية ربطاً بزيادة الانفاق ما بات يقتضي قوننة هذه المصاريف الاضافية.

فإقرار الموازنة مدخل لفتح الباب أمام الانفاق الاستثماري، كما يفتح الباب أمام طرح برامج تمويلية طموحة لاعادة بناء وتحديث البنى التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص.  كذلك فإنه من الملح الشروع في وضع ملف النفط والغاز في مساره العملي المتدرج، خصوصاً بعدما أثبتت المسوحات العلمية وجود كميات واعدة في عمق المياه الاقليمية، والاهتمام الذي تبديه شركات دولية عملاقة بهذا الموضوع.

إن البرامج التمويلية تشمل فيما تشمل مشاريع البنى التحتية من إتصالات وطاقة ومياه وطرقات وغيرها، وهي قطاعات على علاقة مباشرة بالنمو الاقتصادي. وتتضمّن أيضاً إصلاح وخصخصة بعض المرافق العامة، بما فيها قطاع الطاقة والمياه، وتحسين مناخ العمل، ووضع المراسيم التطبيقية لقانون تطوير الأسواق المالية، ومشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) ووضع خطط إضافية لتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي إضافة إلى غيرها من الأمور، وهي تساعد على الدخول في حلقة مثمرة من النمو من خلال زيادة الثقة بالاقتصاد اللبناني وجذب الاستثمارات وتراجع مديونية الدولة.
  
وفي الاصل ، نحن نعتقد أن تثبيت الإستقرار سياسياً وأمنياً وإعادة إنتظام عمل مؤسسات الدولة بكل سلطاتها، هي مهمة واجبة لكل القيادات والفعاليات المحلية.  فإعادة تفعيل نمو الناتج الوطني، على أهميته، لا يمثل مؤشراً كافياً للتنمية الشاملة، بل يلزم أن يترافق مع إعادة بناء الثقة الداخلية والخارجية وإدخال تحسينات مطردة في حياة الناس والتقديمات الصحية والاجتماعية ورفع مستويات التعليم وتيسيره بما يتوازن مع موازنات الاسر والنهوض بالبنى التحتية والمرافق العامة وإعادة الاعتبار جدياً للمؤسسات والقانون بما يفضي الى تكامل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وفي إنتاج مناخ إستثماري حقيقي.  إن لبنان مستمر في أن يكون بلد الفرص السانحة، ونأمل من مسؤوليه أن لا يعطلوا هذه المزّية.

                            شكراً لاصغائكم 

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close