18 December 2020

كلمــــة الدكتور جوزف طربيه في حفل إفتتاح منتدى مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال

كلمــــة الدكتور جوزف طربيه في حفل إفتتاح منتدى مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال

       
   
 كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب

في حفل إفتتاح
منتدى

" مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال"

 


18-19 ديسمبر/كانون الأول 2020
بيروت ـ فندق موفنبيك

  

       
سعادة السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد، رئيس مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية،
سعادة الأستاذ ياسين جابر، عضو لجنة المال والموازنة البرلمانية،
سعادة الأستاذ عبد الحفيظ منصور، أمين عام هيئة التحقيق الخاصة – لبنان،

اصحاب المعالي والسعادة،
أيّها الحضور الكريم،

يُسعدني بداية أن أرحّب بكم جميعاً، وأتقدّم منكم بجزيل الشكر والتقدير على مشاركتكم في هذا المنتدى الذي يتناول موضوعاً من ادق مواضيع الساعة وهو "مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في تبييض الأموال ". 

وفي الواقع، يولي المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر هذا الموضوع أهمية قصوى، وخاصة في ضوء التحديات والتغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وما تتطلبه من مواكبة على صعيد آليات عمل السلطات التشريعية والرقابية والأمنية والمؤسسات المالية، وفي ضوء الهشاشة الاقتصادية في بعض الدول التي تجعل من العقوبات اكثر وجعاً وتزيدها ايلاماً الآثار المدمّرة الناتجة عن جائحة كورونا التي غيرت وجه الاقتصادات وهزت الاستقرار العالمي.
ولا يخفى على أحد أن العقوبات الاقتصادية وما يتتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية وجنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مسلّط وسلاح مدمّر على دول العالم كله، تلجأ اليه الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية بديلاً عن اللجوء الى حروب طاحنة تكبّدها خسائر بشرية وأضرار كبيرة، ويساعدها في ذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي.  
ومن أبرز هذه العقوبات اليوم، نذكر خمسة قوانين عقوبات واجراءات كبيرة منها: 
- "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" (الذي يشمل فرض عقوبات على النظام السوري ومؤسساته والمتعاونين معه، ويستهدف المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، كما يسمح بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم النظام.)

- "قانون ماغنيتسكي للمساءلة حول حقوق الإنسان"( الذي يمنح الرئيس الأميركي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بالفساد او بانتهاك حقوق الانسان المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان الدولية).

- قانون باتريوت Patriot Act”  “ لاعتراض وعرقلة الإرهاب، وقد أقر في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، (وقد مُنح بموجبه مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) صلاحيات واسعة لمراقبة وتفتيش المشتبه فيهم والاطلاع على ممتلكاتهم الشخصية، ورفع العوائق القانونية للتنصت على محادثاتهم الهاتفية، ومراقبة رسائلهم الإلكترونية ومعاملاتهم المصرفية وملفاتهم الطبية).

- قانون مكافحة أعداء أميركا الذي يتيح فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا.

 - كما ان الاتحاد الاوروبي قد اقر الاسبوع الماضي "خطة عمل لحقوق الإنسان والديموقراطية" وهو إطار جديد للعقوبات يمكن استخدامه في حالات التعذيب والعبودية أو العنف المنهجي، الخ...
وسيعاقب المسؤولون عن مثل هذه الانتهاكات بحظر دخولهم إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد أصولهم في أوروبا، كما هي الحال مع جميع أنظمة العقوبات المعمول بها في الاتحاد الأوروبي. ولدى الاتحاد الأوروبي حاليًا أنظمة عقوبات خاصة بدول معينة مثل تلك الخاصة ببيلاروس أو روسيا، وثلاثة أنظمة محددة للمعاقبة على استخدام الأسلحة الكيميائية والهجمات الإلكترونية والإرهاب.
والمعلوم أن العقوبات الاقتصادية تنتج مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص قد تؤدّي الى زوالها من الوجود، تحت شعارات كبرى مثل مكافحة الفساد وغيرها.
وقد تتسبب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة.
والحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة "إعرف عميلك"، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية.  كما تؤدي العقوبات الى ما يعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعيق تقدمها وازدهارها.
أيها السيدات والسادة، اين نحن امام كل ما يحصل؟
يقع عالمنا العربي في عين اللعبة الدولية حيث تتفجر فيه وحوله الصراعات الجيو- سياسية،  فمن تصعيد العقوبات على حزب الله وتوسيعها، الى الحرب في ليبيا، الى الصراع في اليمن ولا ننسى بالطبع الحرب في العراق وسوريا وهذه الاخيرة هي من أهم الحروب في القرن الواحد والعشرين. هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية العربية نفسها في قلب الحدث، وفي ساحة المعركة، وهنا تجد السلطات الرقابية والسلطات الامنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والافراد الذين يستخدمون القنوات المالية للوصول الى اهدافهم.
ومن المعروف أيضاً أن هذه الإشكالية باتت تثير قلق جميع المعنيين من مختلف الجهات الرسمية والخاصة. فبتنا ننام على إجراء أو رزمة من الإجراءات ونستفيق على رزمة جديدة من الإجراءات والتشريعات والقوانين، وأصبح هذا الأمر يشكّل هاجساً للجميع، وأصبح علينا جميعاً العمل على متابعة تلك التطورات، والسعي لفهم الإجراءات المفروضة وإستيعابها والإلتزام بها.
هنا برزت التحديات التي علينا أن نستوعبها ونعمل على التعامل معها بما يتناسب مع خطورتها وشموليتها ونسعى إلى التغلّب عليها. وهنا أيضاً تبرز أهميّة التنسيق ما بين مختلف الجهات المعنية بهذه المسألة. وأهميّة تطوير وسائل المواجهة على مختلف الصعد القانونية والتشريعية والإلكترونية واللوجستية والعلمية والإدارية. ومن البديهي القول أن هذه اللقاءات الدورية بين مختلف الجهات المعنية بهذا الموضوع تشكل فرصة لتبادل الآراء والخبرات بين المشاركين، وتشكل منصّة للعصف الذهني تتيح لهم الإستفادة من كل جديد يطرح، وتتم مناقشته في هذا المجال. وليس أفضل من هذه المناسبة لتحقيق الغاية من لقائنا اليوم.

بالنسبة للبنان الذي واجه عام 2020 احداثاً غير مسبوقة ومتلاحقة على صعيد العقوبات المالية نتيجة تصعيد الادارة الاميركية وتعميمها سياسة فرض العقوبات، ففرضت عقوباتها على مصرف جمال ترست مما ادى الى خروجه من السوق المصرفية، كما تناولت العقوبات المالية ايضاً مسؤولين كبار سابقين في الحكومة اللبنانية بادعاء تعاونهم مع حزب الله او بتهم الفساد.
كل ذلك اضافة الى ما يعانيه لبنان من توقفه عن دفع ديونه الخارجية، وما تبعه من انهيار اقتصادي وتراجع العملة الوطنية، وانحراف البلد مؤقتاً الى الاقتصاد النقدي، مع ما يحمله هذا النوع من الاقتصادات من مخاطر وتحديات؛ الا ان القطاع المصرفي اللبناني تابع اداءه ضمن بيئة سياسية واقتصادية وقانونية صعبة، واتخذ تدابير طوارىء في لبنان بالنسبة لتصعيب الحركة الحرة للتحويلات الى الخارج، وكذلك بالنسبة للسحوبات النقدية بالعملات الاجنبية. كما تقوم المصارف اللبنانية بتنفيذ خطط اعادة هيكلة واعادة رسملة ضمن توجيهات البنك المركزي اللبناني و تعاميمه. 
وبكل حال استطاع القطاع المصرفي اللبناني تأمين استمراريته واستمرارية فروعه خارج لبنان العاملة في اكثر من 30 بلداً مع ميل بارز الى الانكفاء المنظم والخروج من عدة اسواق من خلال بيع بعض الفروع الخارجية او اقفالها.
كما استمر البنك المركزي اللبناني واجهزة الرقابة ومكافحة تبييض الاموال في تأدية مهامها العادية ، بما يجنّب لبنان مخاطر تراجع السمعة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتأزمة.
أيّها السيدات والسادة،
ان لاتحاد المصارف العربية تاريخ طويل في تنسيق الجهود لحماية القطاع المالي الاقليمي والاقتصاد الاوسع من مخاطر تسرب الاموال القذرة.
إننا في إتحاد المصارف العربية، والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، سنحرص دائماً على إعطاء موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأهمية القصوى، بإعتباره من أخطر المشكلات التي تؤثر على مسار المهنة المصرفية العربية، وعلى العلاقات بين قطاعنا المصرفي العربي، والمؤسسات الرقابية الدولية.
أجدّد شكري وتقديري لكم جميعاً، وأتمنى لهذا المنتدى بجهودكم المقدّرة والمشكورة أن يحقق الأهداف المرجوة منه.

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close