23 April 2019

المؤتمر المصرفي العربـي لعام2019 "الإصلاحات الإقتصادية والحوكمة" 23 أبريل 2019 بيروت ـ لبنان

المؤتمر المصرفي العربـي لعام2019 "الإصلاحات الإقتصادية والحوكمة" 23 أبريل 2019 بيروت ـ لبنان
( كلمــة)

الدكتور جوزف طربيه
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب


فـي حفل إفتتاح أعمال
المؤتمر المصرفي العربـي لعام 2019

"الإصلاحات الإقتصادية والحوكمة"

23 أبريل/نيسان 2019
بيروت ـ فندق فينيسيا

دولة رئيس مجلس الوزراء السيد سعد الحريري
سعادة الأستاذ رياض سلامة حاكم مصرف لبنان
السادة رئيس وأعضاء مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية وجمعيته العمومية
السادة أعضاء مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب وهيئته العامة
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة
أيها الحفل الكريم،
يُسعدني أن أرحّب بكم جميعاً، وأتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى دولة الرئيس سعد الحريري على تشريفنا برعايته لهذا المؤتمر وإفتتاحه أعماله. كما يُسعدني أن أرحّب بسعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة لحرصه الدائم على المشاركة في نشاطاتنا وفعاليّاتنا ودعمها ومساندتها، وكذلك بالشيخ محمد جراح الصباح، رئيس اتحاد المصارف العربية، والسادة اعضاء مجلس ادارة اتحاد المصارف، واعضاء مجلس ادارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، متمنياً لهم جميعاً اجتماعات ناجحة واقامة طيبة في لبنان. والشكر والتقدير موصولين إلى أصحاب المعالي والسعادة والسيادة على تشريفنا بحضورهم، آملين أن يُشكّل هذا المؤتمر خطوة متقدّمة على خارطة الإصلاحات الإقتصادية في دولنا العربية.

أيّها الحضور الكريم،
ارتأينا ان يكون مؤتمرنا اليوم تحت عنوان "الإصلاحات الإقتصادية والحوكمة" وهو موضوع الساعة في غالبية بلداننا العربية سواء كانت تعاني من اضطرابات وحروب، ام كانت بمنأى عنها، وخاصةً في لبنان، حيث وعدت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة دولة الرئيس سعد الحريري بمبادرات اصلاحية اساسية تتناول معالجة عجز المالية العامة المتصاعد، وانخفاض معدلات النمو، وكذلك تحسين اجراءات الحوكمة.

أيّها الحضور الكريم،
بالعودة عدّة سنوات إلى الوراء وبالتحديد إلى العام 2011، وبداية التحوّلات السياسيّة، وما خلّفته من تراجع في النموّ، وتأثر الأوضاع المالية العامة، وموازين المدفوعات في بعض الدول العربية، وتباطؤ الإستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية منذ منتصف العام 2014، اصبح من الضروري اعادة النظر في معظم القواعد والسياسات السائدة في السابق، والمباشرة بورشة اصلاحات هيكلية تختلف حسب ظروف كل دولة، وترمي الى نتيجة واحدة وهي تنويع مصادر الايرادات وتوسيع القاعدة الانتاجية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وخلق فرص عمل في منطقة تعاني من اعلى نسب البطالة في العالم.

في الواقع، ان بلداننا العربية تواجه اخطاراً كيانية في الاقتصاد، اذ هي تعاني من تشوهات مزمنة نتجت عن سنوات من غياب التخطيط الصحيح على مختلف الصعد الإقتصادية والمالية، وأدّى غياب هذا التخطيط إلى أن معظم الإقتصادات العربية أصبحت تفتقر إلى التنويع الإقتصادي، ويعتمد بعضها بشكل كبير على قطاع واحد سواء النفط أو الغاز أو الزراعة أو السياحة، وسيطرة قطاع واحد أدّى إلى تأثّر الإقتصادات العربية بالدورات الإقتصادية العالمية والصدمات الإقتصادية والمالية العالمية، وتراجع إيراداتها نتيجة لهذين العاملين.

وإستتبع هذا الأمر ضعف الإيرادات الحكومية بشكل عام، وبالتالي عجز في الموازنات، وإضطرار بعض الدول العربية إلى الإستدانة، ما رتّب ديوناً كبيرة عليها، حيث أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تسديدها. وتظهر مؤشرات المديونية إلى أن بعض دولنا العربية قد إحتلّ أولى المراتب في لائحة الدول الأكثر مديونية في العالم، حيث تشير دراسة لصندوق النقد العربي إلى أنّ 11 بلداً عربياً مثقلة بديون فاقت بنسبة 50% من إجمالي الناتج المحلي لديها عام 2017، في مقدمها لبنان الذي بلغ الدين العام فيه ما يوازي 150% من الناتج، كما بلغت نسبة خدمة الدين في بعض الدول العربية 40% من نفقات الميزانية. إضافة إلى ذلك، فإنّ الإشكالية الإقتصادية تبقى سبباً في ما تشهده دولنا العربية اليوم من إستمرار التأزم الإقتصادي والإجتماعي، الظاهر في الفقر والأميّة، وإنكشاف الأمن الغذائي، وإرتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب، وزيادة في نسبة الإقتصاد غير الرسمي، وتراجع في الأداء الإداري للحكومات، والذي يتمثّل في كبر حجم القطاع العام، وتراجع التنافسية والإنتاجية، وضعف الترابط والتبادل الإقتصادي العربي، وخاصة في المجالين الإستثماري والتجاري وعدم كفاءة إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمالية، وتراجعاً في البيئة، وعجزاً مزمناً في المياه.

أيّها الحضور الكريم،
إنّ هذا الواقع أدّى إلى تراجع العالم العربي في العديد من القطاعات، إضافة إلى الإرهاب الذي أدخل المنطقة في إضطراب كبير، إنصرفت الدول العربية إلى تكريس كل إمكاناتها لمكافحته، وغالباً إهمال تحقيق إصلاحات إقتصادية من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتعزيز التنمية، في حين أنّ هذا الإهمال أدّى بدوره إلى تأجيل عمليات الإصلاح وبالتالي تآكل نموّ الإقتصادات العربية وشلّ حركتها. من جهة ثانية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إنهيار الطبقة الوسطى، يُعتبر من أهم التحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية، حيث بدأت هذه الطبقة تضعف لمصلحة الطبقة الدنيا، وأصبحت الفجوة بين طبقات المجتمع متباينة، فالطبقة الوسطى هي صمام الأمان الإقتصادي والأمني والإجتماعي، والسياسي، وهي التي تخلق التوازن المطلوب في المجتمعات سياسياً وإقتصادياً، وهي جسر تواصل بين الأثرياء والفقراء، وهي التي تعمل على حماية القيم الإجتماعية والثقافية من الإنهيار.

إن تحوّل الشعب العربي، إلى شعب مثقل بهمومه السياسية والمعيشية، ومخاوفه الأمنية اليومية، وإن غياب الحياة السياسية الصحيحة، وإنتشار ثقافة الخوف، هما من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من وضع مأسوي، وغياب القدرة على حلّ الأزمات وتعقيدات الوضع العربي الراهن. وما زاد من سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، هو الدمار الهائل الناجم عن الحروب والنزاعات والإضطرابات السياسية المستمرة منذ نحو عقد من الزمن، إضافة إلى تراجع نوعية الخدمات العامة تراجعاً كبيراً في مؤشرات الحوكمة الرشيدة في القطاع العام، وتفشي الفساد والرشوة، وتراجع في مجالات تطبيق القانون ونوعية التشريع والثقة بالقطاع العام. لذلك، حرص إتحاد المصارف العربية، أن يعقد مؤتمره المصرفي العربي هذا العام تحت عنوان "الإصلاحات الإقتصادية والحوكمة" بحضور نخبة من الخبراء والإقتصاديين والمصرفيين في هذا الوقت بالذات، لما يشكّله من فرصة ثمينة للإطلاع على تجارب الدول العربية في مجالات الإصلاحات الإقتصادية وتقييم مقومات نجاحها، ونتائجها وإنعكاساتها، وخصوصاً لجهة، إصلاح المالية العامة من خلال ترشيد الانفاق وتحسين الفعالية ومعالجة الدين العام، ووضع إستراتيجية فعالة لخفض حجمه، وتحسين إدارته، كما لا بدّ من تحقيق التوازن المالي عبر رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، وتنمية الإيرادات الحكومية، وتعزيز السياسات والتشريعات التي من شأنها تحسين مناخ الإستثمار، ودعم القطاع الخاص في تحريك العجلة الإقتصادية وتحقيق التنمية الإقتصادية. كما يهمنا العمل على تطوير وتأهيل البنى التحتية المتهالكة لتأمين حاجات ومتطلبات المجتمع إضافة إلى وقف التدهور البيئي وما يرافقه من تدمير للمواقع الطبيعية.

كما ندعو إلى تعزيز برامج التنمية البشرية من خلال تحفيز الدمج والتكافل الإجتماعي، ورفع قدرة الحصول على الخدمات والبرامج في مجالات الصحة والتعليم والحماية الإجتماعية لكافة شرائح المجتمع. وهذا بدوره يستدعي الترويج لإستراتيجية تنموية إقتصادية وإجتماعية، تؤمن فرص عمل في مختلف المناطق، وخاصةً خارج العواصم والمراكز التقليدية، وبناء خطط إقتصادية تساهم في رفع نسبة مشاركة المرأة العربية في سوق العمل لتخفيض نسبة البطالة في الدول العربية.

أيّها الحضور الكريم،
اني اختم كلمتي بالاشارة الى ما يقوم به لبنان حالياً من اصلاحات في اقتصاده وماليّته العامة ومحاربة الفساد وتحسين مستويات الحوكمة، ويضع اتحاد المصارف العربية كل امكاناته في تصرّف لبنان رئيساً وحكومةً وشعباً لانجاح هذه الخطوات الاصلاحية، مع التنويه بما يلي: اولاً- ان القطاع المصرفي اللبناني الذي لي الشّرف بتمثيله ايضاً، يراهن على نجاح العهد بتنفيذ خطة التصحيح المالي وقيادة خطة محاربة الفساد وانقاذ لبنان من الازمة المالية والاقتصادية المداهمة. ثانياً- ان التصحيح المالي يتطلب خفض عجز الموازنة الى مستويات مقبولة جرى التعهد بالتقيّد بها في خطة سيدر، ولايمكن ان يتحقق ذلك الاّ عن طريق اعادة هيكلة القطاع العام وخفض حجمه وترشيد انفاقه وتحديثه لزيادة فعاليته، وخفض منسوب الهدر فيه، ومكافحة الفساد، وتحسين الجباية. ثالثاً – يجب الاسراع في اقرار الموازنة العامة التقشفية الموعودة؛ وان اطالة امد التوتر السياسي المرافق لاقرارها يؤثر سلباً على تدفقات رأس المال الى لبنان، ويلقي اعباء اضافية على القطاع المصرفي في تأدية هذا الدور.

رابعاً - لا يجب ان يشعر المجتمع المالي، ومن خلاله المودعون في المصارف، ان البلاد مطية للشعبوية، اشارة الى الاصوات التي ترتفع بين حينٍ وآخر، ملقية اللّوم على المصارف في ارتفاع الدين العام، في وقت استطاعت المصارف بأدائها وحيويتها، ابقاء لبنان على الخريطة المالية العالمية، وتأمين التمويل الميسّر للدولة والقطاع الخاص، كما استطاعت بالتعاون مع البنك المركزي اللبناني، حماية استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية منذ اكثر من 25 سنة متواصلة.

ان اساس مشكلة لبنان المالية هي في ارتفاع الانفاق الحكومي بصورة غير مسبوقة وغير مسؤولة، وما ارتفاع الدين العام الّا نتيجة لهذا الانفاق. وان مؤسسات التصنيف الدولية تطلب من لبنان تخفيض هذا الانفاق وليس تحجيم النظام المصرفي الذي هو العامود الفقري للحياة الاقتصادية في لبنان. لا خلاص للبنان و لاحتواء تصاعد الدين العام الّا عبر هذه الآلية. ان الذين لا يجدون طريقة اخرى للتخلص من الدين العام الّا عبر شطبه او شطب اجزاء منه، هم في الواقع يرفضون اجراء اصلاحات على المالية العامة، توقف منافذ الهدر وتحسن الايرادات. وفي الختام، اعيد التأكيد ان القطاع المصرفي اللبناني ليس محايداً في صناعة الانقاذ، وهو سيظلّ ملتزماً مساندة الدولة بمؤسساتها وسلطاتها الدستورية، فهذا خيار استراتيجي لم نفرّط به حتى في اصعب الظروف التي مرّ بها لبنان. وشكراً

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close